**حنين وأمل**بقلمي**الجزء الثالث والعشرون:**حكاية جشع**222
4 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
**حنين وأمل**بقلمي**الجزء الثالث والعشرون:**حكاية جشع**222
09:31 - 11/12 معلومات عن العضو رد على الموضوع بإضافة نص هذه المشاركة
الجزء التاسع
مرت الاختبارات الأولى، واقترب موعد عطلة الفصل الأول، أصبحت أحوال الثانوية هادئة، بما أن الدراسة قد خففت في تلك الأيام.
لقد استيقظت هند مبكرة في ذلك اليوم كما تفعل في كل يوم سبت. قالت أمل لسوسن وقد كانتا شبه نائمتين:"إلى أين تذهب برأيك قبل المدرسة."
"ومن أين لي أن أعرف، عودي إلى النوم."
ثم غطت سوسن رأسها وتابعت نومها. لقد لاحظت أمل أن تصرفات هند غريبة وكذلك عاداتها الغذائية، كما وقعت ذات مرة في حجرة صفها مغشيا عليها، لذلك ازداد شك أمل في أمرها، فهي ترفض أن تذهب معها إلى الطبيب، بل تذهب وحدها إن شعرت بتوعك أو ألم، ولطالما سمعت صوت فتح علبة دواء في خزانة هند حين تفتحها بين الحين والآخر، وكذلك تجاهل سوسن للأمر وكأنها تعرف عنه شيئا ولا تريد إخبارها يزيد من حيرتها. قررت أمل أن تكتشف الأمر بنفسها وعرفت من أين تبدأ، تركت هند خزانتها مفتوحة بعد أن أخذت علبة الدواء إلى الحمام، فاستغلت أمل هذه الفرصة. الخزانة تفتح بالمفتاح، لكنها تغلق تلقائيا بعد دفع الباب لذلك وضعت أمل ورقة مطوية في حافة الخزانة ثم عادت بسرعة إلى سريرها لتتظاهر بالنوم، ولما عادت هند أعادت علبة الدواء إلى الخزانة ثم دفعت الباب ورحلت مسرعة دون أن تنتبه إلى أنه لم يغلق، لم تكن لتنتبه إلى ما خططت له أمل بأية حال. قالت أمل بعد أن غادرت صديقتها:"آسفة لما سأفعله يا هند."وجدت عدة علب دواء في الخزانة، أسماؤها لم تكن معروفة لديها، ليس من المحتمل أن تكون هذه أدوية تخفيض حرارة أو مسكنات لآلام الرأس أو أي من الأدوية التي نستعملها يوميا. كتبت أمل أسماء الأدوية في ورقة ثم خبأتها داخل حقيبتها المدرسية، ثم أغلقت باب خزانة هند بعد أن تأكدت أن سوسن ما تزال نائمة، بعد ذلك أخذت تخطط لما ستفعله لاحقا.
كانت الأروقة في وقت الاستراحة تعج بالفتيات في ذلك اليوم، كن منشغلات بالتحضير للحفلة في نهاية الأسبوع، وكذلك عطلة فصل الشتاء. وكانت أمل تمشي بهدوء وتنظر يمينا وشمالا، وكأنها تبحث عن شيء معين، إلى أن تفاجأت بشخص يشد شعرها، فالتفتت فإذا هو همام، وقد ابتسم هذا الأخير في وجهها ثم قال:"صباح الخير، هل تبحثين عني؟"
فأجابت أمل:"أنا !لا...آه...حسنا ، لقد كنت أبحث عنك."
"اعتقدت ذلك، ما الأمر؟"
"لدي مهمة علي القيام بها وأحتاج إلى مساعدتك"
"مهمة... لن يأخذنا هذا إلى مخفر شرطة أو شيئا من ذلك القبيل، أليس كذلك؟"
"لا، الأمر ليس بتلك الخطورة، إنه فقط تجسس على هند."
"ستتجسسين على صديقتك"
"هي لم تترك لي خيارا آخر."
"حسنا، لم ستفعلين ذلك؟"
"لا أظنني سأستطيع إخبارك"
"أمل، إن أردت مساعدتي عليك إخباري ما المشكلة."
"حسنا إلى اللقاء"
"توقفي... لا بأس سأساعدك حتى ولو لم أعرف."
"اعتقدت ذلك، والآن أريدك أن تأخذ هذه الورقة إلى أقرب صيدلية من هنا وتستعلم عن الأدوية التي توجد فيها."
"حسنا و ماذا أيضا؟"
"هذا صعب قليلا، أريدك أن تساعدني على سرقة ملفها الطبي"
"سيأخذنا ذلك فعلا إلى مخفر الشرطة، ولكن... لا بأس"
"سنفعل ذلك بعد أن تستشير حول الأدوية."
"حسنا، سأذهب الآن، أراك غدا في هذا الوقت في ساحة الثانوية."
"ستجدني هناك، إلى اللقاء"
"إلى اللقاء"
وما إن رحل همام حتى رأت أمل هند وسوسن قادمتين باتجاهها، فسألتها هند:" عما كنتما تتحدثان؟"
أمل:"لا شيء مهم، لقد كان فقط يسألني عن علاماتي"
سوسن:"إنه شاب ظريف أليس كذلك يا هند."
هند:"لا أعلم اسألي أمل..."
فهمت أمل ما تلمحان إليه فقالت:"هل تذهبان إلى الصف أم أذهب وأترككما"
سوسن:"نحن قادمتان، لقد كنت أفكر منذ قليل، بما أن العطلة بعد أسبوع إذن يمكننا فعل شيء معا في نهاية الأسبوع، ربما نشاهد فلما أو نذهب إلى حديقة الملاهي أو شيئا مثل هذا."
هند:"حسنا، أنا موافقة سيكون ذلك جيدا بعد كل الجهد الذي بذلناه."
أمل:"أنا أيضا موافقة هذه فكرة رائعة يا سوسن."
********************************
تقابلت أمل مع همام حسب الموعد صباح اليوم التالي، فأخرج من جيبه ورقة ثم قدمها لها وقال:"هذا وصف الصيدلاني عن الأدوية، ستفهمين أكثر إن قرأته ولكن... هذه الأدوية هي مسكنات ألم، إنها...تستعمل في حالة وجود أورام..."
"آه... يا إلهي !"
كادت أمل أن يغشى عليها، فجلست على كرسي خشبي ثم قال همام ولم يكن أقل قلقا منها:"أمل، هل تتعاطى هند هذه الأدوية؟"
"لا أصدق، إنها تعاني من ورم خبيث !"
"ذلك ليس شرطا ربما تكون أوراما عادية."
"حالتها سيئة جدا، يستطيع الجميع ملاحظة ذلك ، لكن... ما الذي تفعله هنا إن كانت مصابة بمرض خطير؟"
"ربما ليست كذلك، لا تستعجلي حتى نتحقق، أظن أنه يجب أن نحصل على ملفها الطبي."
"ليس بعد الآن، يجب أن أتحدث إليها"
"هل أنت متأكدة؟"
"أجل علي أن أذهب."
ثم غادرت أمل إلى صفها مسرعة، كانت قد تركت هند تكتب أحد الدروس التي نسيتها في القسم وهي لم تغب كثيرا، لذلك توقعت أن تجدها هناك. فوجئت بوجود تجمع كبير حول الباب فأسرعت نحوه، وإذا هند مغشي عليها ! وأستاذة الأدب تحاول أن توقظها ببعض الماء، فصرخت أمل:"هذا لن يجدي نفعا يجب أن نأخذها إلى الطبيب !"
كانت أمل جالسة في قاعة الانتظار مع همام، إلى أن جاء الطبيب فأسرعت نحوه:"أخبرني يا دكتور، هل هي بخير؟"
"لا تخافي يا ابنتي، ستستيقظ بعد قليل، لكن يجب أن ننقلها إلى المستشفى، لا أحد يعرف وضعها إلا أنا والسيد شاكر، إنه يتصل بوالديها الآن، ربما يجب أن تخبرك هي يمكنك زيارتها لبعض الوقت."
ثم رحل الطبيب وتركهما، فقال همام:"أنا آسف يا أمل، علي أن أذهب إلى عملي..."
"لا بأس يجب أن أتحدث إليها على أية حال."
"حسنا، أراك لاحقا."
ثم دخلت أمل إلى غرفة التمريض و لمحت هند فوق السرير، كانت تنظر إلى النافذة، بدا وجهها شاحبا وتبدو في أقصى حالات الضعف. نظرت إلى أمل ثم ابتسمت وقالت:" إحساس جميل أن تكون في مكان وتستيقظ في مكان آخر."...
دمعة مخضرة
09:33 - 11/12 معلومات عن العضو رد على الموضوع بإضافة نص هذه المشاركة
الجزء العاشر
جلست أمل على كرسي بجانب هند ثم قالت لها:"إن كنت مصابة بمرض ما فلم لم تخبريني ؟"
"لأنك لم تكوني لتعامليني بنفس الطريقة"
"ما الذي تقصدينه؟"
"أنا آسفة لأننا لم نتقابل قبل الآن،و إلا لكانت صداقتنا لتكون أفضل بكثير، ولكن... هكذا شاءت الأقدار. أصبت بهذا المرض منذ كنت طفلة، لكن لم تكن أعراضه ظاهرة، لذلك لم نكتشفه أنا وعائلتي حتى انتشر في جسدي، وصارت سنوات حياتي معدودة. كانت لدي طموحات كثيرة، أردت أن أقرأ الآلاف من الكتب والروايات،أن أدرس الطب وأمارسه، أن أبني أسرة وأرى أطفالي يكبرون أمام عيني، لم أعتقد يوما أن هناك شيئا سيمنعني من تحقيق أحلامي، لكن هذا المرض قضى على كل شيء. قبل سنتين من الآن كنت قد أوقفت حياتي عن السير، توقفت عن الدراسة، توقفت عن مقابلة الناس، توقفت عن الحديث معهم، بالكاد كنت أتحدث مع والدي، و...منعت أختي الصغيرة من رؤيتي. اعتقدت أنني أكرهها، اعتقدت أنها فعلت شيئا سيئا جعلني أحقد عليها، لكن في الحقيقة، أنا من كان يتصرف كالأوغاد، لقد جعلتها تشعر بالوحدة، وجعلت جو المنزل كئيبا ولا يطاق، لم أندم على شيء في هذه الحياة التي عشتها أكثر مما ندمت على ذلك.ذات يوم سمعت صراخ أمي قادما من النافذة، كانت تصرخ خارج المنزل، وحين خرجت وجدتها تبكي على جثة أختي !... ، لقد ماتت في حادث سيارة، لقد ماتت قبل أن أموت... وأنا التي ظننت أنني سأموت قبل الجميع، ربما... ظننت أنني الوحيدة التي ستموت. غيرت هذه الحادثة نظرتي إلى الحياة، جميع الناس سيموتون في النهاية، لا أحد يعرف متى أو أين أو كيف، ولكننا الآن أحياء، لذلك يجب أن نعيش، يجب أن نأمل أن نحقق أحلامنا، في النهاية هذه الحياة ستكون محدودة، ويجب أن لا تمنعنا حدودها من فعل ما نريده. لذلك عدت إلى المدرسة، وعملت بجد حتى أعوض ما فاتني، تعرفت إلى سوسن وكانت صديقة رائعة على الرغم من أنها تبدو مغرورة وكلامها قاس في كثير من الأحيان، لكنني كنت أعرف إنها لا تقصد أن تؤذي أحدا. ثم تعرفت عليك، كنت مختلفة عنها، أنت أكثر شبها بي، أصبحت صديقتي منذ التقينا، أعجبتني كثيرا وأردت أن آخذ عنك الكثير من الأشياء، لكنني أدركت أن معاملتكما لي ستتغير كثيرا إذا عرفتما حقيقة ما أصابني لذلك أبقيتها سرا، حتى أحصل على حياة عادية."
كانت دموع أمل تسيل طوال الوقت، وجهها متجمد وجاف من التعابير ولكن الدموع لم تتوقف، حتى أنهت هند حديثها فقالت لها:"لا أصدق أنك لم تخبري سوسن أيضا، لهذا كانت تتجاهل الأمر، لابد أنها ضنت بك سوءا، ربما أحست بأنك تخفين هذا الأمر عنها منذ فترة طويلة."
"كنت أعرف ذلك، وليس هو السبب الوحيد لتدهور علاقتي معها، ولكنني لم أرد إخبارها لأنها ليست قوية مثلك.لكن لا مفر من أن تعرف الآن وأضن أن حالتها ستتدهور كثيرا، لذلك سأطلب منك أن تهتمي بها وبنفسك، سأعود يا أمل ، أنا أؤمن بذلك، وسيعود كل شيء كما كان وأحسن."
بعد هذه الكلمات دخلت سوسن الغرفة بخطوات بطيئة وبدا وجهها حزينا جدا، وعيناها ممتلئتان بالدموع، ثم دخل وراءها والدا هند، فأصبح من الواضح أنهما هما من أخبراها بوضعها.
بقيت أمل وسوسن تشاهدان سيارة الإسعاف وهي تغادر آخذة أعز صديقة لهما معها، إنها الفتاة التي كانت تبقيهما على اتصال، كانت كل منهما تفكر بما سيحل بهند، وبما سيحل بصداقتهما بعدها.
*******************************
مرت بقية أيام الأسبوع سريعا، ظلت أمل وسوسن خلالها في صمت وكآبة، لم تستطع أي منهما أن تتابع حياتها بشكل عاد وهي تعرف أن أقرب صديقة لها على حافة الموت. كانتا تتصلان بأمها بين الحين والآخر لتطلعهما على حالتها الصحية، وكانت الأم تجيبهما بأنها لا تتغير كثيرا، أو أنها بخير، وهذه الإجابة غير مرضية بالنسبة لهما، بل هي في الحقيقة ملفقة لكي تزرع الاطمئنان في قلبيهما. ولاحظ السيد شاكر غياب أمل عن المكتبة، كما لاحظ عدم ظهورها في أي مكان من الثانوية، فعرف أن هذا بسبب ما حصل لصديقتها.
دمعة مخضرة
09:43 - 11/12 معلومات عن العضو رد على الموضوع بإضافة نص هذه المشاركة
سأعود لوضع الأجزاء المتبقية كلما أسعفني الوقت
دمعة مخضرة
13:40 - 11/12 معلومات عن العضو رد على الموضوع بإضافة نص هذه المشاركة
الجزء الحادي عشر
في ذلك اليوم كانت أمل و سوسن في ساحة الثانوية جالستين على كرسي خشبي. كانت أمل تقرأ كتابا، لم تكن مركزة فيما يوجد فيه، كانت تقرأ الكلمات ولكن عقلها في مكان آخر. أما سوسن فكانت تستمع إلى الموسيقى عبر هاتفها المحمول وبدا عقلها أيضا في مكان آخر، إلى أن قالت لها أمل:"أظن أنه يجب أن تتوقفي عن الاستماع إلى تلك الأشياء، لن تفعل شيئا سوى أنها ستجعل مشاعرك أكثر اضطرابا مما هي عليه الآن."
"إنها أفضل طريقة للاسترخاء بالنسبة لي."
لم ترد أمل إنهاء هذه المناقشة، لم ترد أن ينتهي بهما الأمر إلى الشجار.في هذا اليوم كانتا قد خططتا مع هند للخروج إلى المدينة والاستمتاع بوقتهما قبل بداية العطلة التي سيفترقن فيها، لكن لم تستطع أي منهما التحدث عن الموضوع في غياب هند، خاصة وهي في تلك الحالة. بعد ذلك جاء همام وقال لهما بصوت هادئ:"مرحبا يا فتيات"
فأجابتاه في وقت واحد:"أهلا."
همام:"المدير أرسلني في طلبكما."
أمل:"هل هذا بشأن الحفلة؟"
همام:"لا أعرف لكنه بدا قلقا عليكما، مثلنا جميعا."
أمل:"حسنا، هيا بنا يا سوسن"
عندما ذهبتا إلى مكتب المدير كان جالسا هناك بانتظارهما ثم قال لهما:" أهلا بكما، اجلسا، البارحة لم تحضرا إلى الحفلة المدرسية مع أنكما بذلتما الكثير من المجهودات فيها."
أمل:"نحن آسفتان بشأن ذلك لكننا لم نكن في جو يسمح بالاحتفال."
شاكر:"اسمعاني جيدا، هند جاءت إلى هذه الثانوية لأنها أرادت أن تعيش حياة عادية، أنا متأكد بأنها تريد ذلك لكما أيضا، ولن تكون سعيدة بما تفعلانه بنفسيكما الآن."
سوسن:"نحن نعرف ذلك لكن لا يمكن أن نتجاهل الأمر وحسب..."
شاكر:"ليس ذلك ما أطلبه منكما، لكن هذه الحالة التي أنتما عليها لن تحسن من وضع هند، بل ربما ستزيده سوء."
صمتت أمل وسوسن للحظة تفكران بما قاله لهما، لقد كان على حق فعلا. ثم قال لهما مرة أخرى:"لم لا تخرجان اليوم إلى المدينة، أنا متأكد أن الجو سيكون ممتعا بسبب انتهاء أيام الدراسة."
أمل:"حسنا، أظن أنه يجب أن نفعل ذلك."
سوسن:"وأنا موافقة."
شاكر:"إذن سأهتم شخصيا بإخبار أهلكما، إبقيا هنا حتى أعود مع الموافقة"
ثم غادر السيد شاكر و ترك أمل وسوسن في مكتبه بعد أن أغلق الباب عندها قالت سوسن وهي تتأمل المكان:"مكتبه ضيق بعض الشيء لكنه مريح." ثم توجهت نحو أوراقه وأرادت تفقدها، فقالت أمل:" توقفي !تركنا هنا لأنه وثق بنا ونحن لا نريد أن نخيب ظنه."
"إنها مجرد أوراق خاصة بالثانوية، لم يهتم إن ألقيت نظرة."
"لن تفعلي ذلك، ليس أمام عيني."
عند ذلك تركت سوسن الأوراق ثم تابعت السير تتأمل المكان حتى لمحت الدرج الملتصق بالحائط فقالت وهي تفتحه بسرعة:"لا يظهر هذا الدرج حتى نقترب منه، ترى ماذا يضع فيه؟"
"لقد قلت لك توقفي يا سوسن!"
ثم توجهت إلى سوسن لتمنعها من إلقاء نظرة، في حين كانت تلك الأخيرة قد أخرجت صورة من الدرج، فأخذتها أمل منها ووقع نظرها عليها، ثم بدأت عيناها تتسعان وفمها ينفتح وهي تتأمل شيئا ما فيها، ولاحظت سوسن ذلك فقالت:"ما الأمر يا أمل؟"
نطقت أمل بصعوبة بعد ثوان :"يا إلهي ! ما...هذا؟"
فأخذت سوسن منها الصورة وتأملتها ثم قالت:"ما الغريب هنا؟ إنها صورة للمدير مع فتاة لا نعرفها و... أنت ! لا أفهم !متى التقطت هذه الصورة معه؟ ومن أين جاءتك هذه الثياب؟"
وقالت أمل وقد بدا صوتها أقوى هذه المرة:"أنا لم ألتقط معه صورة أبدا، تلك الفتاة ليست أنا !"
"كيف يعقل هذا؟ أعني أنه معك حق هذه الصورة قديمة جدا، ربما التقطت قبل سنوات !ولكن هذه الفتات تشبهك !تشبهك كثيرا !"
"سوسن، أضن لهذا علاقة بما حصل معي سابقا، تلك المواقف الغريبة مع الأساتذة... لابد أنهم يعرفون هذه الفتاة..."
شعرت سوسن بالذعر، ليس أقل من أمل، التي توجهت إلى الدرج ثانية وأخذت تفتش فيه حتى وجدت قطعة جريدة قديمة، ففتحتها وقرأت العنوان:"مقتل فتاة في الخامسة عشرة بثانوية فتيات !"، كان قلبها ينبض بسرعة وهي تقرأ المحتوى على مسامع سوسن:"لقيت حنين الماجدي البارحة حتفها قتلا برصاصة موجهة نحو القلب. وقد وجدت مرمية في أحد الأروقة بجانب المكتبة بعد ثلاث ساعات من وفاتها، حسب ما قاله عمال الأمن الجنائي. وجدت الضحية من طرف الحارس الذي اتصل مباشرة برجال الإسعاف، ليجدو أنها قد فارقت الحياة. أصيبت والدة الفتاة بصدمة نفسية خطيرة بعد هذه الحادثة وتم نقلها مباشرة إلى أقرب مستشفى. لا تزال التحقيقات تجرى حول القضية، ويبدو أنه لم يتوصل إلى من ارتكب هذه الجريمة الشنيعة بعد. علما أنه تم إغلاق ثانوية كريم فاضل بسبب خوف الأهالي على بناتهم."
سوسن:"ثانوية كريم فاضل، هذه ثانويتنا ! لقد سمعت قبلا من مجموعة فتيات أن جريمة قتل حصلت في هذه الثانوية، أدت إلى إغلاقها مدة ثلاث سنوات، لكنني لم أصدقهم، ظننتها مجرد إشاعة."
فقالت أمل وقد بدت في تفكير عميق:" يبدو أنها ليست كذاك."
ثم أخذت أمل الصورة وقطعة الجريدة ووضعتهما داخل جيب المعطف الذي كانت ترتديه، فقالت لها سوسن:"ظننتك قلت إننا لن نأخذ شيئا يخصه؟"
"هذه الأشياء تخصني أكثر منه الآن."
ثم سمعتا صوت أقدام خارج المكتب فعرفتا أن السيد شاكر قادم، وعند ذلك قالت أمل:"هيا ! لنجلس أين كنا، تصرفي على طبيعتك يجب أن لا يعرف ما حصل".
ولما دخل المدير كانتا تبدوان عاديتين فلم يشك بهما، وقال:"لقد حصلت على الإذن يمكنكما الذهاب الآن."
ثم شكرتاه وغادرتا المكان وكأن شيئا لم يحدث...
دمعة مخضرة
13:41 - 11/12 معلومات عن العضو رد على الموضوع بإضافة نص هذه المشاركة
الجزء الثاني عشر
وضعت أمل وسوسن أول خطواتهما خارج الثانوية قبل أن تتلفظا بأية كلمة، ثم قالت أمل :"كيف عرف رقم هاتف عائلتك بتلك السرعة، لابد أنه كان يراقبني طوال هذا الوقت ويجمع المعلومات عن كل من هم قريبون مني، ربما استعمل همام لذلك الغرض أيضا، يالي من غبية!"
"أمل أنت تبدين منفعلة جدا وترتجفين، هل تريدين حقا الذهاب إلى المدينة؟"
"ليس قبل أن أكتشف هذا السر يا سوسن."
"ربما تحملين الأمر أكثر مما يستحق، ربما هي تشبهك وحسب ليس الأمر بتلك الأهمية؟ ما رأيك أن نعود ونشرب الشاي ثم تسترخين قليلا قبل التفكير في هذا الأمر؟"
"هل تمزحين معي؟ لقد وجدت قطعة جريدة كتبت فيها جريمة قتل فتاة بمثل سني، وفوقها هذه الصورة، أنا متأكدة أن هذه الفتاة التي تشبهني هي التي قتلت."
"ولم أنت متأكدة من ذلك؟"
"لأنه يفسر الكثير، كيف فزع الكثيرون في الثانوية عند رؤيتي ، وكيف ظلوا يراقبونني طوال الوقت، وكانت نظراتهم ما تزال خائفة مني، هذا الانفعال ليس بسبب أنها تشبهني وحسب، بل لأن شيئا سيئا حصل لها، شيء جعلهم يرونها كوابيس أثناء نومهم، والآن هم يرون كوابيسهم تتجسد في أنا."
"هذا ليس دليلا قويا"
لم تنشغل أمل بما قالته سوسن وتابعت تفكيرها، ثم قالت:"حنين الماجدي، أنا متأكدة أنني مررت بهذا الاسم من قبل لكنني لست متأكدة أين؟"
"هل تعرفينها، هل تعرفين الفتاة؟"
"لا ولكن... انتظري لحظة."
ثم استدارت أمل في الاتجاه الآخر، اتجاه المقبرة، لقد تذكرت أين قرأت هذا الاسم سابقا فاتجهت نحو ذلك القبر، وتبعتها سوسن وهي تقول:" انتظري !إلى أين تذهبين الآن؟"
وقفت أمل أمام القبر، وحين وصلت سوسن قالت لها:" لم جئت إلى هنا؟ المكان مخيف" ثم قرأت ما كتب على القبر"حنين الماجدي،15سنة،8 أفريل1995" فقالت بصوت مرتجف:" إنها...هي"
أمل:"لم يعد هناك شك، تلك القطة التي بدت وكأنها تعرفني، أخذتني إلى هنا، لابد أنها كانت تعرف هذه الفتاة التي قتلت في ثانويتنا، الفتاة التي تشبهني !"
سوسن:"هل ستستندين فعلا على دليل قدمته لك قطة."
ولم تجب أمل مرة ثانية، كانت في تفكير عميق وهي تقرأ قطعة الجريدة ثم قالت:"تاريخ الوفاة، إنه بعد ولادتي بثلاثة أيام، أليس ذلك غريبا أيضا..."
سوسن:" أمل يجب أن نغادر، المكان مخيف جدا"
"...لهذا تبناني السيد كريم أنا بالتحديد، مع أنه لم يفعل ذلك من قبل، إنه يريد معرفة الصلة بيني وبينها، لابد أنه طلب من السيد شاكر مراقبتي..."
"ربما تبناك لأنه يعرف لماذا تشبهينها، لم لا تسألين السيد شاكر عن الأمر؟"
"لا، هما لا يعرفان ذلك، لو كانا يعرفان لما أبقيا الأمر سرا عني، لديهما شكوك مثل التي لدي."
"والصورة وقطعة الجريدة، كيف سنعيدهما الآن، ماذا لو لاحظ غيابهما؟"
"لا أظنه سيشك بنا يا سوسن"
"رأسي سينفجر، كيف وصلت إلى كل تلك الاستنتاجات في هذا الوقت القصير؟ ربما تكون معضمها لاأساس لها من الصحة."
"تذكرت، حارس الثانوية الذي لحق بي إلى هنا ، لابد أنه ظنني شبحا خرج من هذا القبر، لهذا ارتعب وصرخ بأعلى صوته."
"هذا يكفي ! أنا ذاهبة، إن لم تلحقي بي فستبقين وحدك."
دمعة مخضرة
13:42 - 11/12 معلومات عن العضو رد على الموضوع بإضافة نص هذه المشاركة
الجزء الثالث عشر
كانت أمل تفكر بما اكتشفته مؤخرا طوال الوقت، ربما اتضحت لها أمور كثيرة، لكن في نفس الوقت طرحت أمامها أسئلة أخرى، أسئلة يجب أن تجد لها حلا، ربما سيساعدها ذلك على اكتشاف شيء عن ماضيها، ربما تلك الفتاة تمد لها بصلة قرابة، ربما إن عرفت شيئا عنها ستصل إلى عائلتها الحقيقية، لكن إن كانت هذه الفتاة تشبهها وحسب كما قالت سوسن، فربما لا علاقة لأمل بالأمر، لكن على الأقل يجب أن تعرف كيف ولماذا قتلت.
بدأت الفتيات بالمغادرة الواحدة تلو الأخرى، وكانت أمل في ذلك اليوم تنتظر سوسن في ساحة الثانوية لتقوم بتوديعها قبل أن تسافر. وجدت أمل أن أغراض سوسن قد نقلت من الغرفة عندما كانت في مطعم الثانوية، ثم قالت لها سوسن إنها ستغادر لتحضر شيئا من السوق ثم تعود، و بينما كانت تنتظرها لمحت هماما قادما باتجاهها، حياها هذا الأخير ثم قال:" لقد جئت لتوديعك يا أمل سأتوقف عن العمل في هذا اليوم، وسأعود في بداية الفصل القادم."
شعرت أمل في تلك اللحظات بغضب شديد، لكنها تمالكت نفسها حتى تستطيع ترتيب أفكارها وهي تتحدث إليه:"حسنا، بالتأكيد هذا ما جئت من أجله، لتودعني، هل من شيء آخر؟"
"شيء آخر؟ مثل مذا ؟"
"لا أدري، ربما طلب منك شخص ما القدوم لرؤيتي لتسألني عن بعض الأمور."
"عن ماذا تتحدثين؟ لست أفهم."
"أنا أتحدث عن كل ما كنت تفعله طوال هذا الوقت، المدير طلب منك الاستمرار برؤيتي مع أنه لا يريد ذلك، هل تعرف لماذا؟ لأنك كنت تقابله بعد رؤيتي كل مرة، وتخبره كل شيء قلته لك، أليس ذلك صحيحا؟"
"من أين جئت بهذا الاستنتاج؟"
"هل سمعت ما قلته، استنتاج، لو كان ما أخبرتك به كذبة لاستعملت كلمة غير هذه"
بعد ذلك قال همام وقد أبعد نظره عنها:"حسنا، معك حق، لقد كان يسألني عنك طوال الوقت، لا أعرف كيف وصلت إلى ذلك، لكنني لم أكن أتجسس عليك، لم أعرف حتى أنه يسألني بدافع التجسس، ظننت أنه يهتم بك وحسب لذلك كنت..."
"كنت تخبره بما أقوله لك... يا إلهي ! لا أصدق أنني وثقت بك، ضننت أنك صديقي، يبدو أنني لست سوى جزء من عملك"
"هذا ليس صحيحا يا أمل..."
"إنس الأمر، أنا لا أريد رؤيتك ثانية..."
ثم غادرت بسرعة باتجاه باب الثانوية دون أن تنظر خلفها، مشت طويلا في الشارع القريب من الثانوية وهي تفكر بما فعلته منذ قليل، لقد أحست بالذنب، أعمى الغضب بصيرتها فأفسدت كل شيء مع همام، ليس ما حصل خطؤه، إنه لا يعرف شيئا عن الفتاة التي تشبهها ولا لماذا يريد ذلك المدير التجسس عليها، ربما كانت نيته صافية، لكنه أخطأ فعلا حين نقل له أخبار أمل.
دمعة مخضرة
13:43 - 11/12 معلومات عن العضو رد على الموضوع بإضافة نص هذه المشاركة
الجزء الرابع عشر
بينما كانت على تلك الحالة لمحت سوسن من بعيد واقفة بجانب شاب طويل القامة وأشقر الشعر، اقتربت منهما واستطاعت أن تلاحظ الشبه بين ذلك الفتى وصديقتها سوسن، ففكرت أنه قد يكون أخاها، لمحت وجهه شاحبا وعيناه غائرتين، بدت حالته فضيعة وبالكاد كان يحافظ على توازنه، بدا كمن يتعاطى المخدرات !. فجأة رأت أمل ذلك الشاب يصفع سوسن بقوة حتى وقعت على الأرض، ثم غادر بسرعة. أحست أمل بنوبة الغضب تعود إليها، أرادت أن تلحق به وتقتلع عينيه، لكن نظرها عاد إلى سوسن التي كانت منهمكة في البكاء فاقتربت منها، وتفاجأت سوسن برؤيتها ثم نهضت وغادرت المكان وهي تقول لأمل:"دعيني وشأني"
أحست أمل بأن حياتها الجديدة انتهت قبل أن تبدأ، السيد كريم وشاكر وهمام ، الأشخاص الذين وثقت بهم كانوا طوال الوقت يخدعونها ويتجسسون عليها. هند وسوسن، أعز صديقتين لها يبدو أنهما في مآزق كبيرة وهي لا تستطيع فعل شيء لهما، أحست أنها خسرت كل شيء... "العالم الحقيقي مقرف، لا توجد فيه ثقة، لا أحد يهتم بأحد، كيف ستستطيع فتاة مثلي العيش فيه؟ كيف سيستطيع أي شخص العيش فيه؟ ربما لأنه ليس لدي عائلة، فلن أحصل عليها من مكان آخر...
لكنني لا أيأس بسهولة، لو كنت أيأس لأنهيت حياتي منذ زمن بعيد، سأفعل فقط ما يجب فعله الآن، لن أتخلى عن هند وسوسن لأنهما صديقتاي، وسأتعامل مع المدير وصاحب الثانوية لاحقا، سأتركهما وأبحث عن مكان آخر للعيش إن اكتشفت أنهما يهتمان بي فقط من أجل معرفة سر تلك الفتاة، ماذا كان اسمها؟، أجل... حنين، سأكتشف سرها أيضا، تبدو مظلومة، مثلي تماما..." فكرت أمل بذلك وهي عائدة إلى الثانوية، وحين عبرت من الباب الكبير ألقت نظرة حول المكان كله، فلمحت السيد شاكر من نافذة مكتبه، لقد كان ينظر إليها، فنظرت نحوه هي أيضا، نظرة تحدي، كانت تقول له في ذلك الوقت:" سآتي لرؤيتك، سأجعلك تدفع ثمن الكذب علي، لكنني الآن يجب أن أرى سوسن..."
ثم غادرت أمل لتكون بجانب صديقتها، وفي هذه المرة كانت عيناها مملوءتين بالأمل...
دمعة مخضرة
13:45 - 11/12 معلومات عن العضو رد على الموضوع بإضافة نص هذه المشاركة
الجزء الخامس عشر
.. في ذلك اليوم كنت أسير بخطوات ثابتة، خطوات غاضبة، خطوات تدل على أنني كنت أعرف ما أفعله. كنت أحمل بين أصابعي المرتجفة شيئا خطيرا جدا، علي وعلى كل من حولي، لكنني لم أكن خائفة من حمله، لم أكن مترددة في استعماله عند الحاجة، ربما... لأن شخصا أحببته دون أن أتعرف عليه قد حمل هذا الشيء قبلي وفي نفس الموقف...
ذلك المسدس الذي أحمله سيجعل المقابلة مع هذا الشخص الذي أفسد طفولتي أكثر درامية، أكثر مصيرية، سيجعل موقفي أقوى بكثير، وسيجبر غريمي على الاعتراف...
... لن أسامحه أبدا...، كيف استطاع هو أن يسامح نفسه؟...
*************************
طرقت أمل باب الغرفة عدة مرات دون أن تجيبها سوسن، كانت تستطيع أن تسمع صوت بكائها خلف ذلك الباب وهي تطلب منها أن تفتح، لكن سوسن استغرقت بضع دقائق قبل أن تفعل ذلك، وحين فتحت عادت وجلست على سريرها دون أن تتحدث مع أمل بأية كلمة، كانت الدموع لا تزال تنزل من عينيها في ذلك الوقت.
"سوسن...، هل يمكن أن تثقي بي ولو لمرة في حياتك، وتخبريني عما يحصل معك." قالت أمل بعد فترة، حيث انتظرت أن تتمالك سوسن نفسها قبل أن تتحدث.
"منذ كنت طفلة وأنا لا أثق بأحد، حتى أقرب الناس إلي، لم علي أن أثق بك أنت؟"
"لكنك وثقت بهند، أليس كذلك؟"
"عندما تعرفت على هند، كنت في حالة اكتئاب شديد، هي الوحيدة التي اقتربت مني، وأخبرتني كل شيء عنها، وعن أهلها، وعن طموحاتها، هي الوحيدة التي كانت حين تبتسم في وجهي... أرى في عينيها البراءة والصداقة الحقيقية، لقد كانت...مختلفة... لكنها ستتركني الآن..."
ثم عادت سوسن إلى البكاء، وعندها قالت أمل:"ماذا قصدت بقولك إنها مختلفة؟"
"لم تكن لديك عائلة، صحيح؟"
"أجل، لا طالما كان هذا الأمر يؤلمني كثيرا"
"مع أنه لدي عائلة، إلى أنني أتألم أيضا..."
"كيف يكون هذا؟"
"عائلتي أجمل مثال لأسرة مشتتة، والدتي ماتت قبل أن أراها وأشبع منها، أبي ...مشغول طوال الوقت بالعمل، لم أكن أراه إلا أحيانا حين كنت طفلة، ثم أرسلني إلى هذه الثانوية الخاصة، فلم أعد أراه مطلقا تقريبا، وحين نلتقي يسألني بعض الأسئلة التي أكره الإجابة عنها، مثل علاماتي المدرسية، أو عن معاملة الأساتذة لي، وأحيانا يسألني إن كنت أسبب لهم المشاكل، لا طالما اعتبرت هذا السؤال تهديدا أكثر منه استجوابا. لم أتحدث معه يوما عن علاقتنا معا، أو عن ما أريد أنا فعله، لم يفكر يوما بأن يمضي بعض الوقت معي، أن يتحدث معي حتى لا أجد شيئا أتحدث عنه...، أنا بالنسبة له مجرد دمية تحمل اسم العائلة، أرسلني إلى الثانوية التي أعجبته، ثم سيرسلني إلى جامعة يختارها هو كذلك، وربما سيزوجني باختياره أيضا...، الشيء الوحيد الذي لم يقصر فيه هو المال، كنت أحصل على الكثير منه دائما، وأشتري ما أريده، أظنها طريقتي في ملء الفراغ الذي بداخلي...
ليس لدي أخوات بنات، تمنيت ذلك كثيرا لكن للأسف ليس لدي...، جميع إخوتي صبيان، وجميعهم مثل والدي، لا يسببون لي سوى الرعب، ولا يهتم أحدهم بالآخر سوى من أجل مصالحهم. أخي الأكبر مني بثلاث سنوات...، الذي كان هنا منذ قليل...، لقد رأيته يسرق نقودا من خزانة والدي، وكنت معه من قبل في خلاف دائم، فأردت أن أنتقم، نصحتني هند بأن لا أفعل ذلك، لكنني لم أستمع لكلامها، لم أكن أثق بها في ذلك الوقت، لم أعد أثق بها منذ فترة طويلة، منذ أن انتبهت إلى أنها تخفي عني شيئا خطيرا. أخبرت والدي، كان هذا تصرفا مجنونا قمت به، اكتشفت أنني لم أكن أنتقم من أخي وحسب، بل من والدي ومن الجميع الذين جعلوني أشعر بالوحدة طوال هذا الوقت. لقد ثار غضبه فطرد أخي من المنزل بعد أن أخذ منه كل ما قدمه له.
شعرت بالذنب بسبب ما فعلته، أردت تصحيح خطئي، وعدت أخي أن أجد طريقة لإعادته للمنزل، لكنني لم أجرؤ على التحدث مع والدي بشأن ذلك. أخي مدمن على المخدرات منذ عامين، وبعد أن طرده والدي، ازدادت حاله سوء. أصبحت بعد ذلك أتظاهر بالسعادة أمام الجميع في حين كنت حزينة جدا، وابتعدت عن هند أكثر، خاصة بعد أن أصبحت تمضي معك الكثير من الوقت، ولم أعرف ما يجب علي فعله بشأن أخي، وعندما رآني هذا اليوم ...، أنا أستحق أكثر مما فعله بي..."
بعد هذه الكلمات اقتربت أمل من سوسن وضمتها إليها، ثم قالت:" لا تقولي ذلك، ما فعلته مجرد خطأ ويمكنك تصحيحه. لا أريدك أن تشعري بالوحدة مجددا، أنا هنا، وهند ستكون هنا، لقد وعدتني.
سأساعدك على حل مشكلتك، وستكونين بخير، إن كنت لا تريدين العودة إلى المنزل الآن، ابقي هنا معي، سنتسلى كثيرا."
ابتسمت سوسن ثم قالت:"شكرا لك يا أمل."
"لا عليك، هذا واجب الأصدقاء."
ثم اعتدلت سوسن في جلستها وأخذت تجفف دموعها بمنديل أخرجته من جيبها، ثم قالت لأمل:"إنك مختلفة أيضا يا أمل."
"بالتأكيد، لدي أسوأ ذوق في اختيار الثياب بين فتيات العالم." ثم ضحكت كل من الفتاتين عاليا، وبعدها قالت سوسن:"بالمناسبة، هناك محل في آخر الطريق وضعت فيه تخفيضات لا مثيل لها، هل تريدين الذهاب؟"
"لن أضيع فرصة كهذه."
"حسنا، سأطلب من سائق السيارة التي بعثها أبي أن يعيد حقائبي إلى هنا، سيذهب لمواجهة أبي وحده حاليا."
"سأجهز نفسي وأنتظرك" ثم غادرت سوسن وقد شعرت أمل بارتياح لأنها أخرجتها من حالة الاكتئاب التي كانت فيها، لكنها سرعان ما تذكرت مشاكلها ، تذكرت ما قالته لهمام، وخوفها من استغلال المدير لها، ولغز تلك الفتاة التي تشبهها، والتي وجدت صورتها في مكتب المدير...
من الصعب عليها أن تفكر بكل ذلك إضافة إلى هند وسوسن، أحست أن رأسها سينفجر، لقد احتاجت فعلا إلى راحة قبل أن تقدم على أي تصرف آخر.
من الغريب كيف اجتمعت أمل وسوسن وهند في مكان واحد، كيف يجمع القدر الأشخاص الذين أتعبتهم الحياة بشقائها، فتصبح مشاكلهم مصدر التآلف بينهم...
دمعة مخضرة
13:46 - 11/12 معلومات عن العضو رد على الموضوع بإضافة نص هذه المشاركة
الجزء السادس عشر
هذا اليوم هو 19 من سبتمبر عام 1994،وداخل القطار الذي ينقل مسافريه إلى المدينة التي توجد بها ثانوية كريم فاضل...
"لا أصدق أنني سأكون بعيدة عنكما طوال تلك الفترة، حتى العطلة الصيفية، هذا كثير." قالت حنين وقد نظرت باتجاه النافذة، إلى الأشجار التي بدت مثل سحابة خضراء تظهر وتختفي.
"سيمضي الوقت سريعا يا ابنتي، بعد أن نقابلك في الصيف القادم، ستشعرين وكأننا لم نفترق أبدا" قال والد حنين، السيد منير الماجدي، وقد كان رجلا في السابعة والثلاثين من عمره.
"لقد تحدثنا عن هذا سابقا، هذه أفضل فرصة دراسية لك، إضافة إلى أنك لن تكوني وحيدة، إنها ثانوية فتيات، ستصبح لديك الكثير من الصديقات، ولن تلاحظي غيابنا إطلاقا." قالت والدة حنين، السيدة سمر الماجدي، في الرابعة والثلاثين من عمرها.
كان الجو حارا في الخارج، وحتى في مقصورة القطار، مما جعل حنين تخلع سترتها الصوفية وتضعها على حافة مقعدها. حنين كانت في الخامسة عشرة من عمرها في ذلك الوقت، إنها نسخة طبق الأصل عن أمل، مع وجود بعض الاختلافات في ملامح وجهها، يصعب ملاحظتها إلا بتدقيق النظر. كانت ترتدي في ذلك اليوم قميصا ذا أزرار بلون بني فاتح، وتنورة سوداء. شعرها كان أطول من شعر أمل، يصل إلى مرفقها، وكان مسدولا على كتفيها طوال الوقت. مظهرها في هذا الوقت يبدو قديما جدا ولم يعد له وجود، أما في ذلك الوقت فقد كان متواضعا فقط. لقد كانت تشبه والديها أيضا، وقد أخذت عنهما الكثير.
تابع السيد منير الحديث بعد صمت قصير:"أنا متأكد أنك لن تشعري بالوحدة، وسنتصل بك دائما"
حنين:"أعلم ذلك، لكنني سأشتاق إليكما كثيرا، اعتدت على وجودكما دائما منذ ولدت، والآن لن أستطيع رأيتكما يوميا كما كنت، سيبدو الأمر غريبا."
سمر:"أنت تكبرين يا عزيزتي، وستجعلك هذه التجربة أكثر خبرة وقوة، أنت تحتاجينها."
لقد كانت عائلة حنين بسيطة جدا، وقد بدت لبعض الناس فقيرة. السيد منير كان يعمل تاجرا في محل لا يملكه، والسيدة سمر أكملت دراستها الجامعية لكنها لم تجد عملا.ولقد حرصا على تعليم ابنتهما تعليما جيدا منذ ولادتها، لكي يصبح مستقبلها المادي أفضل من مستقبلهما. لا طالما فهمت حنين ذلك، لذلك اجتهدت كثيرا في الدراسة، ولم تستطع رفض فرصة ذهابها إلى ثانوية السيد كريم، مع أنها تعني انفصالها عن مدينتها البعيدة جدا عن الثانوية وعن أهلها. استطاع والدها أن يوفر مصاريفها هناك بصعوبة، شرط أن لا تعود إلى المنزل حتى العطلة الصيفية المقبلة. ذلك لأن تذكرة القطار مكلفة جدا.
حين وصل القطار، كانت حنين تودع والديها في المحطة، لم تستطع هي البكاء، والدتها كانت تكتم دموعها بصعوبة، أما والدها فقد كانت دموعه تنهمر بغزارة، مما جعل الجو طريفا جدا. ضمتهما حنين إليها وقبلتهما ثم قالت:"هذا ليس وداعا، سأعد الساعات حتى أراكما مجددا."
سمر:"ونحن سننتظرك بفارغ الصبر، اهتمي بصحتك، ولا تجهدي نفسك كثيرا بالدراسة."
منير:"ينتظرك السيد شاكر أمام المحطة ، اتصلي بنا من مكتبه مباشرة عندما تصلين، لا تنسي ذلك."
حنين:"لن أنسى ذلك، إلى اللقاء."
سمر:"إلى اللقاء."
ثم غادرت حنين وتركتهما أمام المحطة، وهما ينظران إليها تبتعد، وهي تستدير نحوهما بين الحين والآخر وتلوح بيدها، حتى ابتعدت عن نظرهما. فكأنما قطعت من قلبيهما قطعة، فتركت فجوة داخلهما.
"لا أصدق أننا تركنا ابنتنا الصغيرة تبتعد عنا؟" قالت السيدة سمر بعد صمت طويل.
"هذا أفضل لها، ستكون بخير، شاكر صديق عزيزعلي، أما السيد كريم فأعرفه منذ أيام الثانوية، سيهتمان بها."
"أرجو ذلك."
"عندما تعود، ستكون مفاجأة رائعة بانتظارها..."
بعد أن خرجت حنين من المحطة، أخذت تمرر نظرها من حولها، إلى أن لفت نظرها رجل طويل القامة يضع نظارات سوداء بيضاوية الشكل، كانت رائجة في التسعينات، و بذلة بلون أزرق بارد. كان متكئا بذراعه على سيارة أجرة، تقدمت حنين نحوه فخلع نظراته ووضعها في جيبه ثم قال:"صباح الخير، اسمي شاكر مراد."
فأجابته حنين:"أهلا بك، اسمي حنين، حنين الماجدي..."الجزء السابع عشر
في فترة الغداء في اليوم التالي كانت أمل جالسة بجانب سوسن في الطاولة، ومعهن بضع فتيات أخريات في المطعم، لقد كان شبه فارغ في ذلك اليوم، إذ لم تبق سوى الفتيات اللواتي أجلت رحلتهن إلى المنزل مثل سوسن. بقيت أمل صامتة طوال الوقت، وانتبهت سوسن إلى ذلك فقالت لها:"أمل ما الذي أصابك؟ أنت هنا لكن عقلك في مكان آخر"
"لا شيء أنا بخير"
"لا تشغلي نفسك بالتفكير بي وبهند إن كان هذا ما يحيرك، سنكون بخير، نستطيع الاعتناء بأنفسنا."
"أعرف ذلك، لكن هناك شيئا آخر""إذن هي تلك الفتاة""أجل، ذلك اللغز ليس شيئا سننتظر أن تحله الأيام، يجب أن أبدأ بطرح الأسئلة إن أردت معرفة الأجوبة""لكن تلك القصة قديمة جدا، من يهتم لم تشبهين تلك الفتاة؟""أنا أهتم، ولو حدث هذا الأمر لك لما استهنت به أنا متأكدة."
"معك حق، كنت أحاول فقط تخفيف الضغط الذي أنت فيه."
"شكرا لك يا عزيزتي، أفهم نواياك"ثم صمتت أمل لفترة قبل أن تتم حديثها:"ما يحيرني أكثر هو طريقة معاملة الناس الذين يعرفون حنين لي، ذلك الخوف، والاضطراب، تصرفاتهم تدل على أنهم لا يعرفون من قتلها حتى الآن."
"هل سمعت نفسك؟ لقد قلت حنين، لقد ناديت تلك الفتاة باسمها، هل بدأت تتعلقين بتلك الشخصية الخيالية؟""إنها ليست خيالية، لقد كانت موجودة""كانت موجودة.""ولم يعثروا على من قتلها.""هذا شيء يجب أن تتأكدي منه.""أجل، ولهذا كنت أفكر بأن أسال الطباخة شريفة""مذا؟ تلك العجوز المخيفة، لا أظنها فكرة جيدة""لم لا، لا يوجد الكثير من الناس حولنا، كما أنها لا تبدو سيئة.""حسنا، لكن إن بدأت بالصراخ أو تكسير الصحون سنغادر""لا بأس، إنها لن تفعل ذلك."
ثم توجهت كل منهما إلى الحجرة المجاورة للمطبخ والتي توزع منها الطباخة الطعام للفتيات. طرقت أمل الباب ثم دخلت هي وسوسن بعد أن طلبت منهما السيدة شريفة ذلك. تفاجأت كثيرا حين رأت من يزورها. فقالت لهما: هل تريدان شيئا، يجب أن أغادر الآن، لقد انتهى عملي لهذا اليوم."
أمل:"في الحقيقة...لقد... أردت أن أسألك بعض الأسئلة حول شخص كنت تعرفينه منذ مدة
شريفة:"عمن تتحدثين؟"
أمل:" قبل خمس عشرة سنة، جاءت فتاة بمثل سني، وتشبهني كثيرا إلى هذه الثانوية، ثم قتلت..."
شريفة:"فهمت عما تتحدثين، لا أدري من أين علمت بهذه القصة، لكنني لا أستطيع التحدث عن الأمر، لذلك غادرا المكان من فضلكما."
أمل:"أرجوك، هذا الأمر يهمني كثيرا."
ريفة:"أنا آسفة، لا أستطيع، أرجوكما اذهبا"
أحست سوسن أن أمل ستغادر فعلا لذلك قالت:" ولكن...، إن لم تجيبي عن أسئلتها... فسيغضب منك السيد كريم كثيرا..."
أمل :"سوسن ما الذي..."
تابعت سوسن وهي تلعب بخصلة من شعر أمل:"...كما تعلمين يا سيدتي السيد كريم قد تبنى أمل، إنها مثل ابنته الآن، أليس كذلك يا أمل؟"
م يعجب أمل ما قالته سوسن لكنها اضطرت إلى تقبله من أجل الحصول على معلومات من السيدة شريفة فقالت:"أجل، معك حق يا سوسن."
تنهدت بعد ذلك الطباخة شريفة، ثم قالت:"حسنا، لكن عداني أنه لن يعلم أحد أننا أجرينا هذه المحادثة"
أمل:"نحن نعدك"
سوسن:"لن يعلم أحد."
شريفة:"إذن اجلسا."
و بعد أن جلسن على الطاولة التي كانت موجودة في الحجرة قالت أمل:" سيدتي، أريدك أن تخبريني كل ما تعرفينه عن تلك الفتاة، حنين الماجدي"
شريفة:"لا أعرف الكثير عنها، لكنها كانت فتاة طيبة، ثم قتلت فجأة..."
******************************
في الأول من أكتوبر عام 1994، كان مطعم ثانوية السيد كريم ممتلئا بالفتيات، جميعهن يرتدين الزي المدرسي الذي كان في ذلك الوقت مشابها لما هو عليه الآن ولكن بلون رمادي. السيدة شريفة توزع الطعام كعادتها، بينما اختلطت في الجو الضحكات والأحاديث من كل طرف. تقدمت حنين ووضعت طبقها أمام السيدة شريفة ثم قالت لها:"صباح الخير"، فأجابت الطباخة:"لا أدري لم تلقين علي دائما تحية الصباح، لا أحد يفعل ذلك"
"إنها مجرد كلمة، لم قد أبخلك بها، كما أنك تذكرينني بأمي حين تملئين صحوني."
كانت حنين تقول هذه الكلمات وهي تتأمل ملامح السيدة شريفة، فقالت لها هذه الأخيرة:" توقفي عن التحديق بي، تعرفين كم أكره ذلك."
"أجل، أتعرفين لمذا، لأنك خجولة جدا""هذا يكفي، لقد انتهيت، اذهبي بعيدا""حسنا أراك لاحقا." ثم ابتسمت حنين في وجه السيدة شريفة قبل أن ترحل.
alili slimane- عدد المساهمات : 25
نقاط : 75
تاريخ التسجيل : 29/12/2011
śáşõ- عدد المساهمات : 2015
نقاط : 2873
تاريخ التسجيل : 28/12/2011
العمر : 25
الموقع : سوررية وافتخرر--واي ما عاجبو ينتحرر--ويكتب على قبرو تحدى وما قدر
رد: **حنين وأمل**بقلمي**الجزء الثالث والعشرون:**حكاية جشع**222
موضوع رااااااائق
وشعر راااااائع
فمة في الجمال والابداع
شكرا لك وعلى مجهودك
تحياتي
=)
وشعر راااااائع
فمة في الجمال والابداع
شكرا لك وعلى مجهودك
تحياتي
=)
لَـێـۉڼهَـ- عدد المساهمات : 1424
نقاط : 2218
تاريخ التسجيل : 31/12/2011
العمر : 28
الموقع : سوريا(حمــــــــ العديه ـــــــــص)
مواضيع مماثلة
» **حنين وأمل**بقلمي**الجزء الثالث والعشرون:**حكاية جشع**
» رواية {غربة و لقاء::الجزء الأول::} محاولة متواضعة بقلمي تابعة لمسابقة كتاب الروايات
» Tom And Jerry الجزء التاني, الثالث و الرابع (توم و جيري القديم و الأصلي فقط) بجودة ممتازة
» @@@ معــــــــــــاناة شاب @@@ الجزء ( 1 + 2+3) ...بقلمــــــي ؟؟؟؟؟؟
» أشــــقــــــــياء في الحـــــــــــــــــــــــــياة ( بقلمي خاص بالمسابقة )
» رواية {غربة و لقاء::الجزء الأول::} محاولة متواضعة بقلمي تابعة لمسابقة كتاب الروايات
» Tom And Jerry الجزء التاني, الثالث و الرابع (توم و جيري القديم و الأصلي فقط) بجودة ممتازة
» @@@ معــــــــــــاناة شاب @@@ الجزء ( 1 + 2+3) ...بقلمــــــي ؟؟؟؟؟؟
» أشــــقــــــــياء في الحـــــــــــــــــــــــــياة ( بقلمي خاص بالمسابقة )
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى